راوية الحديث والفقيه
هي أسماء بنت أسد بن الفرات القيروانية، ابنة عالم إفريقية وقاضيها
المشهور وصاحب الإمامين أبي يوسف يعقوب ومالك بن أنس. نشأت أسماء بين يدي
أبيها وحيدة فلم يكن له سواها، فأحسن تهذيبها وتأديبها، فكان يعلمها
القرآن والحديث والفقه، فكانت بذلك من النساء الرائدات في زمانها في الفقه
والحديث والحكمة.
كانت السيدة أسماء تحضر باستمرار في مجالس والدها العلمية في داره وتشارك
في السؤال والمناظرة، حتى اشتهرت بالفضيلة ورواية الحديث والفقه.
ولما تقلّد والدها أسد إمارة الجيش المعدّ لفتح جزيرة صقلية على عهد زيادة
الله الأول، وهرع الناس لتشييعه، وقد نُشرت البنود والألوية وضربت الطبول
والأبواق، خرجت أسماء لوداع أبيها وأوصلته إلى سوسة حتى ركب الجنود
الأساطيل العربية وبقيت معه إلى أن غادرت السفن المرسى باتجاه الجزيرة
الإيبرية.
وأتاح الله للقاضي الأمير أسد بن الفرات النصر الكبير والفتح المبين في
قلاع تلك الجزيرة وحصولها ما خلّد له في التاريخ أعظم فخر وأشرف ذكر،
وأكرمه الله تعالى بالشهادة سنة 213 هـ، وهو مُحاصر لمدينة سرقوسة بصقلية
واللواء بيده اليسرى والسيف مسلول باليمنى وهو يتلو قول الله تعالى: "إذا جاء نصر الله".
وبعد وفاة والدها أسد تزوّجت أسماء بأحد تلاميذ أبيها، وهو محمد بن أبي
الجواد الذي خلف أستـاذه في خطة القضاء وتولّى رئاسة المشيخة الحنفية
بالبلاد الإفريقية سنة225هـ.
ثمّ تخلّى عن القضاء ولحقته محنة من خليفته، إذ اتهمه بمال الودائع وسجنه
وبينما ابن الجواد في محبسه، إذ جاءت زوجه أسماء للقاضي الجديد وقالت له: "أنا أهبه هذا المال المزعوم يقضيه عن نفسه"، فقال القاضي: إن أقرّ أن ذلك هو المال أو بدل منه أطلقته. فامتنع ابن أبي الجواد من الاعتراف و أبى القاضي إطلاقه.
ثم بعد حين عزل ذلك القاضي وعاد زوج أسماء إلى منصبه الأول ولم يؤاخذ سلفه بما فعل معه منّةً منه وتكرّما.
ولم تزل أسماء الأسدية معظّمة معزّزة عند الخاص والعام من بيئة عصرها، إلى أن توفّيت في حدود سنة 250 هـ رحمها الله تعالى.